عاشقة الجزائر عضو نشيط
الجنس : الدولة : المهنة : الهواية : المزاج : الابراج : عدد المساهمات : 139 نقاط : 5402 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 20/11/2010 الموقع : www.google.com الفريق المفضل : دعاء العضو :
| موضوع: دراسة تاريخية لميلاد الثورة الجزائرية 1954م الإثنين ديسمبر 27, 2010 11:45 am | |
| مقدمة نعتبر الثورة التحريرية من أبرز وأروع صور الكفاح التي عاشها الشعب الجزائري، طيلة قرنا واثنين وثلاثين سنة، تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، الي حاول مسح ومحي شخصيته العربية الإسلامية. لكن الجزائر لم تستسلم ولم تغفل عن مقاومة الاحتلال، وقد توجت هه المقاومة بثورة أول نوفمبر 1954.
فاستطاعت جبهة التحرير الوطني أن تقود الثورة رغم إمكانياتها البسيطة لمواجهة أكبر دولة استعمارية، بفضل التطور السياسي الذي عرفته بعد 1956، الذي أعطى للجبهة دفعا جديدا وأصبحت قيادة الثورة تعتمد على مبدأ القيادة الجماعية والتي مكنتها من الدخول في مرحلة جديدة من تاريخ الكفاح المسلح خاصة بعد انعقاد مؤتمر الصومام 20 أوت 1956، الذي يعتبر نقطة تحول كبرى، ومن خلاله تم تحديد الأهداف السياسية للثورة وتنظيمها تنظيما شاملا في كل المجالات. كما أعطى للجبهة بناءها التنظيمي التسلسلي المتمثل في الهيئات التنظيمية العليا- المجلس الوطني للثورة، لجنة التنسيق والتنفيذ، وأخرى تنظيمية قاعدية، الرئيس وضابط الأخبار- كما قامت جبهة التحرير الوطني بتدعيم النشاط السياسي والدبلوماسي للثورة الجزائرية إثر الإعلان عن تأسيس حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية 19 سبتمبر1958.
ويعود سبب اختيار الموضوع إلى كون الثورة الجزائرية على درجة قصوى من الأهمية تستدعي الدراسة والاهتمام، ورغبتنا في الإلمام ببعض جوانب الثورة الجزائرية خاصة التطورات السياسية التي طرأت عليها.
والإشكالية المطروحة: ما هي التطورات السياسية التي طرأت على جبهة التحرير الوطني 1956- 1958 ؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية قسم البحث إلى فصل تمهيدي وثلاثة فصول رئيسية إلى مقدمة وخاتمة.
تعرضنا في الفصل التمهيدي إلى التحضير للثورة وميلاد جبهة التحرير الوطني، واندلاع الثورة.
- والفصل الأول خصص لدراسة مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 والظروف التي أدت إلى انعقاد المؤتمر وأهم نتائجه وقراراته.
- أما الفصل الثاني تعرضنا فيه إلى الهيئات المنبثقة عن مؤتمر الصومام.
- والفصل الثالث والأخير تعرضنا فيه إلى تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية 19 سبتمبر 1958، وظروف تأسيسها وأهدافها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
- ثم جاءت الخاتمة التي كانت بمثابة حوصلة للموضوع.
التحضير للثورة: كان لمجازر 08 ماي 1945، الأثر الواضح بالنسبة للعلاقة بين الجزائريين و الاستعمار الفرنسي، هذا ما أدى إلى خلق روح الانتقام لدى الجزائريين، وضرورة بداية العمل المسلح([1])، وتجلىذلك بوضوح في لإنشاء المنظمة الخاصة، التي ظهرت إلى الوجود إثر انعقاد المؤتمر الثاني لحركة انتصار الحريات الديمقراطية في 15 فيفري 1947 ببلكور وقد منحت هذه المنظمة طابع شبه عسكري يتولى الأعداد للثورة المسلحة([2]). أسندت مهمة إنشائها وتنظيمها إلى محمد بلوزداد([3]) والذي باشر في تأسيسها وفق مبدأين: الأول : اختيار المناضلين من الحزب لتجنيدهم وانخراطهم في المنظمة. الثاني: الفصل التام بين المنظمة الخاصةوالمنظمات الأخرى التابعة للحزب محافظة على السرية. وحققت المنظمة نجاحا باهرا في تدريب المتطوعين، على حرب العصابات و استعمال الأسلحة وصنع القنابل حيث أصبح بإمكانها الشروع في العمل المسلح([4])
وبهذا باتت المنظمة الخاصة قوة عسكرية مدربة ومنظمة، تحكمهاقوانين وتخضع لقيادة أركان وطنية نشيطة،لكن السلطات الاستعمارية اكتشفت أمرها في مارس 1950، واعتقل العديد من أعضائها. وفي سنة1953نشبت أزمة حادة داخل حزب حركة الانتصار للحريات الديمقراطية بين الرئيس مصالي الحاج الذي طالب بمنحه صلاحيات مطلقة في تسيير شؤون الحزب وبين أعضاء اللجنة المركزية الذين أصروا على تطبيق مبدأ القيادة الجماعية، وعلى إثر هذه الأزمة جرت عدة إصلاحات كانت في مقدمتها إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل في 23 مارس 1954([5]). بعقد اجتماع بمدرسة الرشاد بالجزائر العاصمة،وضم هذا الاجتماع قدماء المنظمة الخاصة بوضياف، ابن بولعيد([6])، ابن مهيدي([7]) رابح بيطاط، وبعض المركزيين دخيلي المسؤول العام للتنظيم وعضو اللجنة المركزية،رمضان بوشوبة مراقب التنظيم، وبالتالي كان مكتبها يتكون من أربعة أعضاء اثنان من المنظمة الخاصة، واثنان من المركزيين([8]).
وكان من وراء إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل ، دوافع تمثلت فيما يلي : - المحافظة على وحدة الحزب وذلك بالسعي لإصلاح الطرفين المتنازعين. - منح الحركة أو اللجنة قيادة ثورية، عاقدة العزم على مبادرة العمل. - دعوة كل المناضلين بعدم تبني نزاعات القيادة، وأخذ موقف الحياد بين المصاليين والمركزيين([9]) وأصدرت هذه اللجنة جريدة سرية داخلية سميت الوطنيle patriote وكان آخر إصدار لها في 05 جويلية1954 ([10]). وخلال شهر جوان 1954، قرر بوضياف، ابن بولعيد، ديدوش مراد [11]استدعاء الأعضاء القدامى في المنظمة الخاصة بهدف دراسة تطورات الوضع، وتوجيه نشاط اللجنة الثورية للوحدة والعمل ، ومباشرة الإجراءات الضرورية للشروع في العمل، لأن محاولة الصلح بين التيارين- المصالي، المركزي- باءت بالفشل بسبب انفجار الأزمة الحزبية بين الفريقين، هذا ما أدى إلى عدم وجود سبب يبرر استمرار وجود اللجنة الثورية للوحدة والعمل([12]). ميلاد جبهة التحرير الوطني: هكذا وبتاريخ 25جوان1954، التقى 22 مناضلا([13])، كلهم من أعضاء المنظمة الخاصة في اجتماع، عقد ببيت إلياس دريش في حي Clos Salembierمن أجل تدارس الوضع الداخلي المتأزم في صفوف الحزب، ومباشرة الإعداد للثورة المسلحة والتعجيل بتفجيرها والتشاور حول الموقف الواجب إتحاده بالنسبة للمستقبل([14]). ترأس الاجتماع مصطفى بن بولعيدوتبلور النقاش في موقفين : - الأول يدعو إلى العمل المسلح المباشر كوسيلة وحيدة لتجاوز أزمة الحزب. - الثاني تبنى مبدأ الكفاح لكنه يرى ضرورة التريث، وتحين الوقت المناسب لذلك. وكلف محمد بوضياف([15]) بتقديم تقرير للجنةال22، تم فيه تحديد الصعوبات والمشاكل التي كانت تطرح بشدة على قادة الثورة، كالتسلح والتموين بالذخيرة وأساليب التجنيد، وختم تقريره بالعبارة التالية:" نحن الأعضاء السابقون في المنظمة الخاصة- ينبغي علينا- إمام أزمة الحزب، ووجود حرب تحرير بكل من تونس والمغرب أن نتشاور، ونقرر ما ينبغي عمله مستقبلا" ([16]). وانتهى اجتماع أل 22 بجملة من القرارات التاريخية منها : -الحياد أو عدم الدخول في الصراع بين المركزيين والمصاليين. -العمل على توحيد جناحي الحزب. -تدعيم موقف اللجنة الثورية للوحدة والعمل في أهدافها الثلاثة : الثورة، الوحدة، العمل. -انتخاب قيادة وطنية جديدة تتكون من خمسة أعضاء ([17]) . وتم انتخاب محمد بوضياف مسؤولا وطنيا، وعين قادة تتكون من : بوضياف، مصطفى بن بولعيد، العربي بن مهيدي، ديدوش مراد، رابح بيطاط([18]) عرفت باسم لجنة الخمسة، وكلفت هذه اللجنة بالإشراف على الإعداد للثورة وتحديد تاريخ اندلاعها([19]) وعقدت أول اجتماع لها في 28 جوان 1954، عند المناضل عيسى كشيدة([20]) بحي القصبة لتقييم الوضع،ومن القراراتالتي إتخدتها القيادة في اجتماعها الأول : -مواصلة ضم الأعضاء السابقين في المنظمة الخاصة، وإعادة هيكلتهم في التنظيم الثوري الجديد. -استئناف التكوين العسكري اعتمادا على قرارات المنظمة الخاصة. -تنظيم فترات تكوين في المفرقعات لصناعة القنابل اللازمة لإعلان الثورة([21]) . لجأت لجنة الخمسة إلى إزالة الشكوك ومحوها، فقامت بدعوة كريم بلقاسم([22]) إلى الانضمام إليها، لتصبح فيما بعد تعرف باسم لجنة الستة([23])، حيث عقدت هذه اللجنة سلسلة من الاجتماعات السرية بالجزائر العاصمة، تقرر فيها بعث نشاط المنظمة الخاصة وتكثيف التدريبات العسكرية وجمع الأسلحة، وصناعة المتفجرات وتم تقسيم البلاد إلى خمس مناطق وتعيين قائد كل منطقة ومساعده([24]). وعقدت لجنة الستة آخر اجتماع لها في 23 أكتوبر1954 بالعاصمة بمنزل المناضل بوكشورة مراد، وتم الاتفاق على:
-حل اللجنة الثورية للوحدة والعمل وتسمية الهيئة التي تقود الثورة بجبهة التحرير الوطني، مدعمة بجناح عسكري يدعى جيش التحرير. -تحديد تاريخ اندلاع الثورة والمصادفة لليلة أول نوفمبر 1954، وبالضبط على الساعة الصفر ليلا. -المصادقة على البيان السياسي،الذي سينشر صبيحة أول نوفمبر وهو يحدد أهداف الثورة ووسائل الكفاح، ويدعو الشعب والأحزاب للانضمام إلى الثورة ([25]). إندلاع الثورة: اتفقت لجنة الستة على الإعلان الثورة بتاريخ 15 أكتوبر 1954 إلا أن هذا التاريخ سرعان ما تغير بسبب تسرب الخبر وإطلاع بعض المركزيين عليه في الخارج- القاهرة- والجزائر العاصمة فتأجل تاريخ تفجيرها إلى آخر اجتماع عقدته لجنة الستة وكان ذلك في 23 أكتوبر 1954. وتم تكليف محمد بوضياف بالسفر إلى القاهرة لإبلاغ الوفد الخارجي المتكون من:أحمد بن بلة- حسين آيت أحمد- محمد خيضر، بساعة الصفر من الفاتح نوفمبر 1954. وإعلان بيان أول نوفمبر([26])*، ويعتبر هذا البيان أول ميثاق للثورة، تضمن ما يلي: -تشكيل قيادة عليا للثورة. -إعداد برنامج تحسيسالثورة، وتصفية الاستعمار والقضاء على مخلفاته. -برنامج مستقبلي وهو بناء الدولة الجزائرية. -بيان الأسس السياسية لهذه الدولة، وتحليل الوضع القائم وإدانة الأحزاب السياسة القائمة. -تحقيق وحدة شمال إفريقيا في إطارها الجغرافي العربي الإسلامي([27]). بذلت لجنة الستة مجهودات من أجل تفجير الثورة ، و تم اختيار أول نوفمبر لأنه يمثل عيد القديسين بالنسبة للفرنسيين وكذلك يمثل عطلة للجنود الفرنسيين مدة24ساعة لراحتهم([28]) و في الساعة الصفر من ليلة أول نوفمبر 1954 ، انطلقت الرصاصات الأولى كما كان مخطط لها و في الحقيقة إن إستراتجية قادة الثورة كانت تقوم على أساس خلق جهاز سياسي لجبهة و جيش التحرير الوطني([29]) وقد اعتمد المناضلون السرية التامة، وفي هذا الصدد يقول أحمد الوهراني "...لم يكن المناضلون يعرفون الأمور السرية، ولاحتى الأسماء الحقيقية للقادة،وكان يتم تكوين خلايا، كل خلية لاتعرف الأخرى، وكل واحدة لها قادة يحملون بطاقات تعريف عديدة حتى يتمكنوا من الدخول والخروج من الوطن متى شاءوا..."([30]).
استهدفت الثورة في بداية انطلاقها مراكز الدرك والثكنات وذلك للحصول على الأسلحة، وإتلاف المنشآت الاقتصادية للعدو، وفي هذا الصدد يقول ويصف بن بولعيد ذلك ب"يجب وحسب إمكانياتنا أولا وقبل كل شيء مهاجمة مراكز الدرك وثكنات الجند،وإن وسائلنا متواضعة، ويتوجب تعويض هذا النقص بأهمية الهداف، فإذا نحن هاجمنا مراكز القوات المسلحة وأضرمنا النيران في المخازن فإننا نصيب قصور السلطات الاستعمارية المتعسفة"([31]). إن أحداث ليلة أول نوفمبر 1954. كانت شاملة، حيث انفجرت الثورة في كل المناطق وفي نفس الوقت تقريبا، وفيما يلي أهم العمليات، التي كانت على الشكل الآتي: أما في المنطقة الأولى. الأوراس – تقسيم الثوار إلى مجموعات وزمر من طرف بن بولعيد، حيث تتكون كل مجموعة من عشرة إلى عشرين رجل، يتقاسم كل اثنين بندقية، وكانت العمليات التي تمت في هذه المنطقة هي اكتساح ثكنتين بمدينة باتنة ([32]). أما في أريس تم فتح مدرسة ومنزل لمعلم فرنسي وأخذ كل محتوياتها وتمت العملية بقيادة محمد بن الهاشمي القاسمى. أما في خنشلة قام عباس لغرور بمهاجمة منزل دار الحاكم، أما سعدي امعمر ومعاونيه قاموا بالهجوم على ثكنة عسكرية([33]). أما في ما يخص المنطقة الثانية – الشمال القسنطيني- هاجم بعض الثوار الثكنات ومراكز الشرطة في مدينة سمندو- زيغود يوسف حاليا- أما في منطقة الخروب أطلق النار على حارس مستودع الوقود، وفي منطقة الحروش تم تجريد أحد الحراس من سلاحه([34]). أما المنطقة الثالثة – القبائل- انطلقت فيها الهجومات بقيادة كريم بلقاسم واستهدفت تخريب وسائل الاتصال في المنطقة وتركزت العمليات خاصة في مدينتي العزازقة و ذراع الميزان أحرقوا مخزن لجمع الفلين والتبغ([35]). و انطلقت الهجومات في المنطقة الرابعة- الجزائر العاصمة وضواحيها- بقيادة زوبير عجاج، هاجم الثوار دار الإذاعة، مستودع " موري" لزيت البترول، أما في البليدة فقد هاجموا ثكنة "بيزو" بقيادة رابح بيطاط، كما هاجم ثوار بوفاريك مستودع الفواكه. تم تخريب ثلاث جسور بين البليدة والعاصمة. وكذلك المنطقة الخامسة - وهران- هوجمت منطقتين بين ويليس و بوسكي أما في سيدي بلعباس هاجم أحمد زبانة مقر إدارة الغابة وقتل الحارس، وفي ربوسلادو قام وداح بن عودة إخراج قطار وهران، عين تموشنت من سكته([36]). أما في منطقة الجنوب يقول السيد عمر صخري أن السيد "محمد ولد الحاج كان موجودا سوف، ويشرف على تحضير أول نوفمبر...لكن ألقي عليه قبل أول نوفمبر الذي قطع الصلة بين المناضلين والقيادة...وأما معركة سبعة عشر نوفمبر 1954، التي وقعت بسوف، إلا شاهدا على ذلك"([37]). ولهذا فإن عمليات 1 نوفمبر 1954 تميزت بالطابع الرمزي لأنها كانت في أغلبها عمليات تهدف إلى تحقيق وقع معنوي لصالح الثورة.
الفصل الأول:
مؤتمر الصومام 20 أوت 1956
- المبحث الأول: ظروف انعقاد المؤتمر. - المطلب الأول: عقد المؤتمر. - المطلب الثاني: جدول أعمال المؤتمر. - المبحث الثاني: قرارات ونتائج المؤتمر. - المطلب الأول: قرارات المؤتمر. - المطلب الثاني: نتائج المؤتمر.
مؤتمر الصومام 20 أوت 1956: بعد مرور حوالي سنتين على اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، وبعدما تمكنت من التوسع، بات من الضروري تحديد إستراتيجية سياسية، عسكرية عامة لجبهة التحرير الوطني تهدف إلى وضع منهجا تحدد فيه بوضوح مسارها، وتقسيم من خلاله هذه المسيرة، لهذا السبب استدعي قادة الثورة لعقد مؤتمر بوادي الصومام يوم 20 أوت1956،الذي تمكنوا من خلاله تحديد الأهداف السياسية للثورة وتنظيمها تنظيما شاملا في كل المجالات السياسية منها والعسكرية والاجتماعية. المبحث الأول: ظروف انعقاد المؤتمر: يعتبر مؤتمر الصومام من أبرز الأحداث التاريخية للثورة الجزائرية، ومنعطفا حاسما في تاريخ جبهة التحرير الوطني، وقد جاء كنتيجة حتمية للظروف التي أحاطت بالثورة والمتمثلة في جملة التطورات و الانتصارات السياسية والعسكرية التي حققها من تاريخ اندلاعها في أول نوفمبر1954 إلى غاية انعقاد المؤتمر([38]). فكانت النتائج المحققة خلال هجومات 20 أوت 1955 دافعا قويا للمسؤولين لمحاولة التعرف على حقيقة، الوضع بعد ذلك، وتقييمه منذ انطلاقة الثورة وتوضيح الرؤى المستقبلية([39]). إضافة إلى هذا هناك جملة أخرى من العوامل ساعدت على عقد المؤتمر تمثلت في صعوبة الاتصال بين مختلف قيادات جيش التحرير الوطني حيث أن مناطق الكفاح قبل انعقاد مؤتمر الصومام كانت لها قيادات خاصة، أي لا يربط بينها إلا الاتجاه الثوري العام. ولم يكن على رأسها قيادة موحدة وهذا ما أدى على جعل المناطق شبه معزولة عن بعضها البعض. كما كان ضعف التنسيق في الداخل مع الخارج بشكل تهديدا خطيرا ونقطة ضعف بمكن للعدو أن ينفذ منها إلى قلب الثورة، وكذلك نقص الإمكانيات المادية المتمثلة في نقص المال لشراء السلاح وضعف الإستراتيجية التي أدت إلى ضعف التكوين السياسي للفرق المسلحة حيث يكاد يكون معدوما([40]).
وخاصة بعد المجهودات التي بذلتها فرنسا كمحاولة منها لخنق الثورة في مهدها، لذلك فإن هذا المؤتمر أصبح ملحة وذلك أملا في تحقيق الأهداف التالية: 1-تقييم المرحلة السابقة من عمر الثورة، بكل إيجابياتها وسلبياتها قصد إزالة السلبيات، وتدعيم وتطوير ما هو إيجابي. 2-وضع إستراتيجية تنظيمية موحدة وشاملة ودائمة للعمل الثوري على الصعيدين الداخلي والخارجي. 3-الخروج بتنظيم جديد ومحكم في الميدان السياسي والعسكري والإداري وكذا الاجتماعي. 4-إيصال صدى الثورة الجزائرية إلى الرأي العام العالمي. إصدار وثيقة سياسية عملية للثورة. توحيد المواقف بالنسبة للقضايا المطروحة على الساحة الوطنية آنذاك([41]) وعلى هذا الأساس سعى قادة الثورة إلى تحضير اجتماع وطني لدراسة أوضاع الثورة. وتشريع ميثاق سياسي يعمل على إيجاد قيادة مركزية موحدة للثورة تقوم بتسيير المقاومة.
المطلب الأول: عقد المؤتمر. إن للظروف السالفة الذكر جعلت القيادة العليا تتخذ القرار بعقد مؤتمر وطني فيه قادة جبهة التحرير وجيش التحرير لوضع قاعدة أساسية تقوم عليها إستراتيجية العمل الثوري. وفي هذا الصدد يقول المجاهد ابن طوبال:"قررنا تنظيم ملتقى أو ندوة وطنية....للمناقشة وبدا ذلك منذ شهر أفريل 1956 في تنظيم المؤتمر"([42]). ومنذ ذلك التاريخ شره القادة في الإعداد للمؤتمر، فجرت اتصالات عديدة بين مسؤولي المناطق وقادتها،حيث قام "زيغود يوسف" قائد المنطقة الثانية " الشمال القسنطيني" ببعث رسائل إلى قادة المناطق يقترح فيها عقد مؤتمر وطني بهدف دراسة التجربة الثورية وتوحيد العمل السياسي والعسكري، ووضع إستراتيجية جديدة للثورة([43])، فتلقى زيغود جوابا بالموافقة لكل من "كريم بلقاسم" قائد المنطقة الثالثة و"أعمر أو عمران" قائد المنطقة الرابعة ونائبه "عبان رمضان" بواسطة الطالب " رشيد عمارة " ([44])، وكانت الفكرة متجهة إلى عقده في المنطقة الثانية، فأعطى زيغود تعليماته بالإعداد لاحتضان المؤتمر، وتمت الموافقة على المكان المسمى " بوزعرور" في شبه جزيرة القل، كمقر لاحتضان المؤتمر لحصانته وانطلقت الأشغال بتوفير الأمن وإعداد التموين. لكن صعوبات وصول نبأ استشهاد "بن بولعيد" اثر على عملية التحضير إذ أصبحت الظروف غير مواتية لعقد المؤتمر هناك، وبعد ذلك تم اقتراح الأوراس وجبال سوق أهراس، ثم الأخضرية الواقعة بالمنطقة الرابعة، وحدد يوم 21 جويلية 1956لعقد المؤتمر، لكن تسرب الأخبار عن مكان وزمان عقد المؤتمر لسلطات الفرنسية أدى بالقيادة الثورية إلى إلغائه([45]). وبعد مداولات عديدة تم الاتفاق على عقد المؤتمر في منطقة وادي الصومام، حيث مركز الولاية الثالثة وبالضبط في قرية افري أوزلاقن([46]) ولم يكن اختيار هذا المكان عشوائيا وإنما نتيجة لمجموعة من الأسباب يمكن إجمالها فيما يلي: 1- وجود المكان في منطقة حصينة، ومحاذية لغابة أكفادو الكثيفة والتي لها اتصال بغابة جرجرة وجبالها. 2- كان دوار أوزلاقن في تلك الفترة منطقة هادئة، لمتحدث فيها أية عملية حربية، لمدة تسعة أشهر، مما جعل العدو يعتقد بأنها منطقة آمنة وسالمة ولا علاقة لها بالثورة. 3- بعد الحملة التي قام بها الجنرال ديغول، أعلن العدو أنه قد سيطر على المنطقة وأنها أصبحت تحت سلطته. وأنها باتت خالية من الثورة، لذلك أراد الثوار إثبات العكس وذلك بعقد المؤتمر في تلك الجهة. - أما عن سبب اختيار 20 أوت كتاريخ لعقد المؤتمر فيعود إلى كونه يوافق ثلاث ذكريات هامة: أ- انتفاضة 20 أوت 1955 التي عمت منطقة الشمال القسنطيني. ب- نفي محمد الخامس ملك المغرب يوم 20 أوت 1952 إلى جزيرة مدغشقر بصفته ممثل الفكر التقدمي الحر في مراكش يومئذ. ج- قرب ذكرى انعقاد دورة هيئة الأمم المتحدة في أكتوبر 1955 التي دخلتها القضية الجزائرية رغما عن فرنسا([47]). بعد أن أتمت قيادة المنطقة الثالثة كافة الترتيبات الأمنية والاستعدادات المطلوبة لعقد المؤتمر، انطلقت أشغاله يوم 20 أوت واستمرت إلى غاية 5 سبتمبر 1956 في بيت المدعو "مخلوف" وقد حضر المؤتمر كل من: -محمد العربي بن مهيدي: (ممثل المنطقة الخامسة) رئيس الجلسة. -رمضان عبان: (ممثل جبهة التحرير الوطني) كاتب الجلسة. -عمر أوعمران: (ممثل المنطقة الرابعة). -يوسف زيغود: (ممثل المنطقة الثانية). -عبد الله بن طوبال: (نائب زيغود يوسف). وتغيب عن حضور المؤتمر ممثلي المنطقة الأولى "الأوراس" بسبب استشهاد القائد" مصطفى بن بولعيد" في 25 مارس 1956، غير أن بعض المصادر تذكر بأن هناك وفدين قدما من منطقة الأوراس للمشاركة في أعمال المؤتمر لكنهم وصلوا بعد انتهاء أشغاله([48]) بالإضافة إلى عدم حضور ممثلي المنطقة السادسة " الجنوب فيما بعد" وذلك لظروف حالت دون حضورهم المؤتمر غير أنهم بعثوا بتقريرهم([49]) وسجل كذلك عدم حضور الوفد الخارجي الممثل لجبهة التحرير، وذلك لصعوبة الوصول إلى مكان انعقاده من جهة، وإلى كون جيش التحرير ما يزال متواجدا في كل من تونس والمغرب من جهة أخرى، كما أن البحر والجو كانا مراقبين من طرف فرنسا، ومع ذلك فقد شاركوا في أشغال المؤتمر بصفة غير مباشرة عن طريق "محمد خيضر" الذي قدم اقتراحات باسمهم في إطار ما تمت مناقشته في المؤتمر من ناحية الخطة السياسية المراد إنتاجها([50]). وهكذا استطاع المؤتمر استعراض حصيلة 22 شهرا من الكفاح خلال عشرة أيام مناقشة لجدول أعمال شامل كل ما يتعلق بالثورة من قضايا الساعة وآفاق المستقبل. المطلب الثاني: جدول أعمال المؤتمر: كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا تحت إشراف الأخوين " العربي بن مهيدي و رمضان عبان"، الذين شرحا الأسباب التي دعت إلى عقد هذا المؤتمر والمواضيع التي سيتناولها المشاركون([51]). -كان أول تدخل من طرف زيغود يوسف، الذي قدم تعزيزا مكتوبا تعرض فيه للوضعية المادية والعسكرية للمنطقة الثانية. -ثم قدم " كريم بلقاسم " تقرير شفهي عن الإمكانيات المادية والبشرية للمنطقة الثالثة تحدث عن أفراد الجيش، كميات الأسلحة، المصاريف... -أما "عمر أوعمران" فقد تناول في تقريره الإمكانيات العسكرية والمادية للمنطقة الرابعة. -وعن المنطقة الخامسة فقد ورد تقريرا للعربي بن مهيدي تناول فيه الوضعية المالية والعسكرية. -كما أعاد عمر أوعمران تقديم تقريرا أخر عن المنطقة السادسة نيابة عن سي الشريف (علي ملاح) تناول فيه إمكانيات المنطقة- المادية وكذا العسكرية([52]). وخلال الاجتماع طرحت النقاط المدرجة في جدول الأعمال للنقاش وتمحور حول: 1- دراسة ومناقشة تقارير المناطق التي تضمنت عرضا مفصلا عن الجوانب العسكرية والسياسية، المالية: أ-تقرير نظامي: عن كيفية التقسيم والهيكل العام للجيش ومراكز القيادة. ب-تقرير عسكري: عنعدد المناضلين والمجاهدين، الوحدات ونظام تركيبها والأسلحة. ت-تقرير مالي: المداخيل، المصاريف. ث-تقرير سياسي: عن معنويات المجاهدين والشعب. 2- القاعدة السياسية والنشرات المقررة. 3- التوحيد. أ- توحيد النظام وتقسيم المناطق: تعيين مراكز القيادات المحلية وإجراء التغيرات على القيادات. ب-توحيد عسكري: في الوحدات والرتب العسكرية والمنح العائلية. ج- توحيد سياسي: المحافظون السياسيون ومهماتهم. د- توحيد إداري: المجالس الشعبية. 4- جبهة التحرير الوطني: مبادئها وقوانينها الأساسية، تنظيمها الداخلي، والهيئات المسيرة. 5- جيش التحرير الوطني: الألفاظ المستعملة (المجاهد، المسبل، الفدائي)، توسيع الهجومات والإكثار من العمليات. 6- العلاقة بين جبهة التحرير وجيش التحرير: العلاقة بين الداخل والخارج وخصوصا تونس والمغرب وفرنسا. 7- العتاد والسلاح. 8- نظام العمل: سياسيا وعسكريا، وسائله المادية، إيقاف القتال والمفاوضات، هيئة الأمم المتحدة والحكومة المؤقتة. 9- مواضيع مختلف([53]). وفي سرية تامة نوقشت هذه البنود، وذلك لضمان السير الحسن لأشغال المؤتمر هكذا درست كل نقطة من نقاط جدول الأعمال دراسة متأنية، وشكلت لجان لاقتراح الحلول للمشاكل التي تعترض الثورة، وفي اليوم الأخير صادق أعضاء المؤتمر على الوثيقة السياسية، ثم عقدوا اجتماع مع كبار ضباط الولاية الثالثة حيث قدموا لهم عرضا عن سير المؤتمر والنتائج التي خرج بها([54]).
المبحث الثاني: قرارات المؤتمر ونتائجه:
المطلب الأول: قرارات المؤتمر:
تعتبر قرارات مؤتمر الصومام من وثائق الثورة الهامة وتتقسم إلى قرارات سياسية وأخرى عسكرية، شملت تحديد نظام الجيش التحرير وتحديد أهداف الجبهة من الحرب وعلاقتها بجيش التحرير، ويمكن ترتيبها على النحو التالي: أ- على الصعيد السياسي: التنظيم السياسي ويشمل المهام الأساسية لكل محافظ سياسي وهي: 1- تنظيم الشعب: في القرى والمداشر عن طريق تشكيل الخلايا أو المنظمات السياسية، الإدارية وتنطوي تحتها كل الفئات الشعبية. 02- الدعاية والإعلام: تنشر أخبار وأوامر جبهة التحرير الوطني. 03- حرب العصابات: العلاقة مع الشعب، العناية بالأقلية الأوربية ومساجين الحرب وهؤلاء المندوبون السياسيون يعطون آرائهم في جميع الأعمال العسكرية، والقضايا لجيش التحرير الوطني. 04- الأموال والتموين: شكلت مجالس الشعب بواسطة الانتخابات تنظر في القضايا العدلية والمالية والاقتصادية والشرطة، تتكون من خمسة أعضاء. الأول خاص بالشؤون المدنية، الثاني خاص بالشؤون العدلية والثقافية والثالث مسؤول عن الشؤون المالية أما الرابع مسؤول عن حفظ الأمن والخامس فهو رئيس المجلس. 05- تحديد القانون الأساسي والنظام الداخلي لجبهة التحرير الوطني والمنظمات المسيرة. أ- القانون الأساسي والنظام الداخلي: تكفلت بتحريره لجنة التنسيق والتنفيذ([55]). ب- المنظمات المسيرة: 1- المجلس الوطني للثورة: يتكون من 34 عضوا منهم 17 دائمون و17 مساعدون يعتبر أعلى جهاز للثورة، يجتمع مرة في السنة مدة وجود الحرب، له الحق في إيقاف القتال والمفاوضات مع مراعاة الإطار الذي عينته القاعدة الأساسية. 2- لجنة التنسيق والتنفيذ: تتكون من 5 أعضاء لها سلطة مراقبة المنظمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وهي مكلفة بإنشاء ومراقبة اللجان المختلفة، لها الحق أيضا في تشكيل الحكومة المؤقتة بالتنسيق مع المندوبين([56]). 06- تحديد العلاقة بين جبهة التحرير وجيش التحرير: تعطي الأولوية للسياسي على العسكري، وفي مراكز القيادة، بتعيين على القائد العسكري والسياسي أن يسهر على حفظ التوازن بين جميع فروع الثورة. 07- تحديد العلاقة بين الداخل والخارج: تعطى الأولوية للداخل على الخارج مع مراعاة مبدأ التشاور في الإدارة. 08- يجب على الداخل إعطاء جميع المعلومات التي بحوزته لتسهيل مهمة الممثلين في هيئة الأمم المتحدة([57]). ب- على الصعيد العسكري: 1- تقسيم البلاد إلى ستة مناطق مع وضع الحدود لكل منطقة، وإبتداء من تاريخ المؤتمر ثم تغيير لفظة " المنطقة " وأستعمل مكانها كلمة "ولاية " و"الناحية " تصبح "منطقة" والقسم "ناحية" ويصبح تقسيم الولاية على النحو التالي: الولاية ثم المنطقة ثم الناحية ثم القسم. - ولكل ولاية قائد برتبة "صاغ ثاني" عقيد يساعده ثلاثة نواب برتبة "صاغ أول" رائد. - وللمنطقة قائد برتبة ضابط ثاني نقيب يساعده ثلاثة نواب برتبة "ضابط أول" ملازم أول. - والناحية قائد برتبة ضابط ثاني يساعده ثلاثة نواب برتبة "ملازم أول" مرشح. - والقسم قائد برتبة مساعد ونوابه الثلاثة برتبة "عريف أول"([58]) أما مراكز القيادة فإنها تخضع إلى الإدارة الجماعية على مستوى مجالس الولاية والمنطقة والقسم، وأن قائد الولاية يمثل السلطة المركزية للجبهة وعلى كل الهيئات التابعة لجبهة التحرير الوطني أن تحترم هذا المبدأ وتطبيقه([59]). 2- توحيد النظام العسكري: ويتمثل في هيكلة جيش التحرير الوطني.تأسيس نواة الجيش الوطني الشعبي- تركيبة وحدات جيش التحرير الوطني كالتالي: أ- الفوج: يتركب من 11 جنديا من بينهم عريف واحد وجنديان أولان. ب- نصف الفوج: يشتمل على 5 جنود من بينهم جندي أول. ج- الفرقة: تتكون من 35 جنديا. ثلاثة أفواج مع رئيس الفرقة ونائبه. د- الكتيبة: تشتمل على 110 جندي، ثلاثة فرق مع خمسة إطارات. ه- الفيلق: يشتمل على 350 جندي ثلاثة كتائب زائد 20 إطار. 3- تحديد الألفاظ المستعملة في صفوف جيش التحرير الوطني, حيث تقرر استعمال الكلمات التالية : - المجاهد: وهو جندي جيش التحرير. -المسبل: هو المشارك في العمل العسكري. - الفدائي: هو عضو الجماعة المكلفة بالهجوم على المراكز في المدن 4- تعميم الرتب العسكرية، وكذلك تحديد المرتبات الشهري لأفراد جيش التحرير الوطني، من القاعدة إلى القمة، كما أن النظام الاجتماعي الذي وضعه المؤتمر كان في المستوى، خاصة ذلك المتعلق بالمرتبات الشهرية التي تمنح لعائلات المجاهدين والمسبلين والفدائيين، فلم يهمل أي جانب بل كان شاملا متكاملا، كما خص لهاته العائلات ببعثات من الممرضين يزورونهم في القرى والبوادي ليفحصوا أحوالهم الصحية ويوزع عليهم الأدوية لمحاولة منهم لمحاربة الأمراض الفتاكة([60]). وهذا خلال هذه القرارات المنبثقة عن مؤتمر الصومام نستنتج أن الثورة الجزائرية قد انتقلت من مرحلة المبادرة الفردية إلى مرحلة التنظيمات الفعلية.
المطلب الثاني: نتائج المؤتمر:
إن عقد المؤتمر في حد ذاته يعتبر من أهم منجزات الثورة الجزائرية حيث أن عقد بوادي الصومام بالذات يعتبر تحديا من طرف قادة جيش التحرير الوطني. وكما يقول توفيق المدني:" لقد كان مؤتمر الصومام صغيرا في حجمه، كبيرا في سمعته، كانت مقرراته تشبه ميثاقا وطنيا. أعطى أول مرة محتوى الثورة الجزائرية. فقد أعطى نتائج أكثر مما كان متوقعا منه. حيث أذل مؤتمر الصومام، فكرة الزعامة وأقر أن الثورة من الشعب وإلى الشعب..."([61]). أ- النتائج الساسية: جاء مؤتمر الصومام بنتائج سياسية هامة سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي. على المستوى الداخلي: قام المؤتمر بنبذ السلطة الفردية وإحلال محلها القيادة الجماعية، وذلك لأن الإدارة الجماعية تتغلب على الصعوبات والعراقيل التي تواجه الثورة، واستطاع تنظيمها حيث خرج بقيادة وطنيو موحدة تمثلت في المجلس الوطني للثورة ولجنة التنسيق والتنفيذ ووثيقة سياسية بمثابة الدستور الذي نظم شؤون الثورة([62])، وتمكن من ضبط وتحديد السياسة الداخلية والخارجية لجبهة التحرير الوطني والاعتراف بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الجزائري منذ 5 سبتمبر 1956 أي تاريخ انتهاء أشغال المؤتمر، وأصبحت القوة السياسية الوطنية التي التف الشعب الجزائري حولها لتحرير الجزائر من قوات الاحتلال – الفرنسي، وتحرير الوطن وتحقيق الاستقلال التام، وإقامة دولة جغرافية اجتماعية تقوم سياستها الخارجية على عدم التدخل في شؤون الغير([63]). كما قام بإنشاء هيئات اجتماعية متلفة نعمل للتوعية، والتوجيه من أجل بناء الجزائر وتمثلت في: أ- الاتحاد النسائي: الذي لعب دورا كبيرا في توعية المرأة التي شاركت في معركة التحرير، إذ ورد في منهاج الصومام قولا عن الحركة النسائية:" توجد في الحركة النسائية إمكانيات واسعة تزداد وتكثر... ولا يخفي أن الجزائريات قد ساهمت مساهمة إيجابية فعالة في الثورات الكثيرة التي توالت وتجددت في بلاد الجزائر منذ سنة 1830 ضد الاحتلال الفرنسي"([64]). ب- النشاط الصحفي والجرائد: ظهرت جريدة المجاهد الناطقة بلسان الثورة الجزائرية، وتطورت النشرات المحلية، فعرفت بالقضية الجزائرية لدى الهيئات والمحافل الدولية. ج- الحكومة المؤقتة: تطورت لجنة التنسيق والتنفيذ وأزداد أعضاؤها بعد مؤتمر القاهرة 1957، الذي انعقد في طنجة في شهر أبريل 1958، وتم الاتفاق على فكرة تأسيس الحكومة الجزائرية وأعلن عنها رسميا في 19 سبتمبر 1958 برئاسة فرحات عباس([65]) ب- على المستوى الخارجي: لقد تمكن مؤتمر الصومام من تكثيف الجهود لتصبح القضية الجزائرية قضية دولية من خلال الحصول على تأييد الشعوب والدول المناهضة للاستعمار، كما قام بإنشاء مكاتب لجبهة التحرير الوطني في الخارج، وتمكن أيضا من تأكيد حضورها في المحافل والهيئات الدولية وقام بتدعيم العمل الدبلوماسي لجبهة التحرير الوطني، وذلك بتعيين السيد:" محمد الأمين دباغين " مسؤولا على مندوبية الخارج([66]). وقد حرص المؤتمر أيضا إقامة علاقة سياسية مع تونس والمغرب وتنسيق المجهودات الدبلوماسية من أجل الضغط على الحكومة الفرنسية في الميدان الدبلوماسي حيث أشاروا في وثيقة الصومام إلى اندماج القضية الجزائرية مع القضيتين المغربية والتونسية، كما اعتبر المؤتمر أن استقلال المغرب وتونس بدون استقلال الجزائر لا قيمة له، وبالتالي يجب تحقيق الاستقلال في إطار موحد([67]) النتائج العسكرية: لقد قام مؤتمر الصومام بوضع هيكلة تنظيمية من القاعدة إلى القمة عسكريا وسياسيا بهدف توحيد النظام العسكري بشكل يسمح له بمواجهة القوات الفرنسية من جهة. وفرض الطاعة والانضباط في الأوساط العسكرية من جهة أخر([68]).
أ- التقسيم الجغرافي الجديد:
لقد تقرر في مؤتمر الصومام، تقسيم القطر الجزائري إلى ست ولايات وتحديدها جغرافيا([69])، وكانت السلطة تتجسد في مجلس كل ولاية والذي يرأسه عقيد وأربعة ضباط برتبة رائد في الجيش، حيث أن كل واحد مسؤول عن قطاع معين، وهذا المجلس مسؤول عن تسيير جميع الشؤون التي تهم السكان([70]).
وتجد أيضا في التقسيم الجديد أنه ألحقت مدينة "سطيف" بالولاية الثالثة نظرا لأهميتها التي تعتبر بمثابة مفترق الطرق من الولايات الأولى والثانية والثالثة كما اعتبروا أيضا مدينة الجزائر منطقة مستقلة ذاتيا داخل الولاية الرابعة " الجزائر العاصمة " واعتبرت مقرا لجبهة التحرير الوطني. - هيكلة جيش التحرير الوطني:
لقد كان لمؤتمر الصومام الدور الكبير في تنظيم وهيكلة جيش التحرير الوطني بوضع أسس وقواعد تسير عليها الثورة عبر كامل التراب الوطني. كما قام بوضع أسس ومقاييس عسكرية موحدة لجيش التحرير الوطني تمثلت في تقسيمه إلى فيالق وكل فيلق يتكون من ثلاثة كتائب. والكتيبة تتكون من ثلاثة فرق والفرقة تتكون من ثلاثة أفواج والفوج يتكون من 11 جنديا من بينهم عريف واحد وجنديان أولان([71]).
كما عمل المؤتمر على خلق جيش نظامي يتمتع برتب عسكرية كغيره من جيوش العالم. فقسمت الرتب على النحو التالي: الجندي الأول- العريف –العريف الأول- المساعد –الملازم الأول – الملازم الثاني- الضابط الأول- الضابط الثاني- الصاغ الأول – الصاغ الثاني.
أما التركيبة العامة لجيش التحرير الوطني كانت على النحو التالي: 1- المجاهدون: ذوي اللباس العسكري يقاتلون في الميدان ويشنون كل أنواع الحرب ويطلق عليهم الجنود المسبلون. 2- المسبلون: مدنيين. وهم الاحتياطيين، دورهم تموين الجيش بالأخبار ونقل المؤونة ويشاركون أيضا في المعارك. 3- الفادئيون: هم طاقة الثورة وقوتها في القرى والمدن والعواصم وهم لا يرتدون الزى العسكري، ولا يحملون السلاح إلا عند تنفيذ المهمة([72]).
إذن التنظيم العسكري لجيش التحرير، الذي أقره مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956م، كان له أثر إيجابي على نشاطات جيش التحرير الوطني، إذ تدعمت صفوفه بعناصر جديدة تخرجت من مراكز التكوين التي بدأ الجيش يقيمها على الحدود بعد المؤتمر مباشرة، وهكذا نشأ جيش التحرير الوطني كجيش نظامي تميز بتكوين واضح.
- إن هذا المؤتمر الذي عقد بالولاية الثالثة " القبائل" بوادي الصومام في 20 أوت 1956، قد أعطى الثورة شكلا تنظيميا وأعطاها قيادة، ووحد القوانين والأسس التي تسير عليها الثورة في كامل التراب الوطني.
| |
|